LYNN TOHME

LYNN TOHME

هل تساءلنا يوماً عن أحلام أمّهاتنا دون أن نكون محورها؟

هل تساءلنا يوماً عن أحلام أمّهاتنا دون أن نكون محورها؟

لقد زرعت أمّهاتنا فينا شعوراً بأننا مسؤولون عن سعادتهم، فيحققن أحلامهن من خلالنا. وهنا تبدأ أحاديثهن عن وظيفتنا المستقبلية قبل أن ندخل المدرسة حتّى، وتندمج هذه الأحاديث في تفاصيل تربيتنا. فنخجل من هذا الحبّ الممزوج بالطموح، ونذوب في تصوّراتهن من دون أن نشعر، كأنّ حياتنا تُخطّ بملامح أحلامهن، وصوت المستقبل يخرج من أفواههن لا من داخلنا.

ننسى أنّنا وُلدنا لهذا الكون لنعيش هويّتنا نحن، لا أن نحمل فوق أكتافنا هوية مزدوجة. نكتم رغباتنا أحياناً، ونشعر بالثقل ونحن نجرّ وراءنا أحلامنا وأحلامهن معاً.

تعلّمت الحبّ من أمّي، تعلّمت القوّة منها، وتعلّمت من دون قصد معنى التضحية. علّمتني أمّي كلّ شيء عن هذه الحياة، لكنها نسيت أن تُغذّي معرفتي بأهمية صحّتي العقلية والنفسية. نسيت أن تخبرني أنّ أعظم هديّة يمكن أن يمنحها الإنسان لنفسه هي أن يُسعد ذاته قبل أن يحاول إسعاد عائلته.

لكن كيف يمكن للنساء أن يُدركن ذلك وسط ثقل غير مرئي من التوقّعات اليومية؟ دراسة حديثة نُشرت عام 2025 بعنوان “Beyond Time: Unveiling the Invisible Burden of Mental Load” تكشف أنّ النساء يتحمّلن العبء الأكبر من “الحمل العقلي” (mental load)، أي ذاك الجهد الذهني والتنظيمي المستمر في التفكير بما يجب فعله: من ترتيب البيت، إلى جدول الأولاد، إلى قوائم التسوّق. هذا الحمل غير المرئي لا يُقاس بالوقت، لكنه يتراكم بصمت، يقضم من راحتهن النفسية، ويُشوّه علاقتهن بذواتهن، حتى يصبح الإنجاز الشخصي ترفاً مؤجّلاً.

كيف لأمّي أن تغفل هذا الأمر؟ وكيف لي أن أقنعها أنّنا نريدها سعيدة رغم قسوة ما يجري حولنا، وأنّ ترتيب أولوياتها النفسية أهمّ من ترتيب بيتنا؟

ما يجعل الأمر أكثر قسوة هو أنّنا ندرك، كلّما قرأنا أو شاهدنا تجارب النساء في أماكن أخرى من العالم، أنّنا متأخرون. هناك، تُناقَش علناً حقوق الأمهات في التوازن بين العمل والشغف والذات، بينما نحن ما زلنا نتجادل حول حقّ الأم في ساعة راحة بلا شعور بالذنب. نشعر أنّنا خسرنا جيلاً كاملاً من النساء اللواتي كان يمكن أن يكنّ شاعرات، رسّامات، رائدات أعمال أو عالمات، لكنهن وُضعن في خانة واحدة: خانة التضحية.

في مجتمعاتنا العربية، يضاف إلى الحمل العقلي عبء ثقافي أشدّ وطأة: أن تكون المرأة “أماً مثالية”، وزوجة صالحة، وابنة مطيعة، وعاملة منتجة، وكلّ ذلك من دون أن تتذمّر. تُختزل المرأة في دورها العائلي، وتُعتبر رغبتها في الاعتناء بنفسها أنانية أو ترفاً. هذا الفخّ الثقافي يجعل حياتها سلسلة من التنازلات التي لا تنتهي، وحين تنظر إلى الوراء، تجد أنّها عاشت أكثر مما ينبغي للآخرين، وأقلّ مما ينبغي لنفسها.

لكن أليس من حقّ الأم أن تملك حياتها الخاصة؟ أن ترى نفسها خارج إطار العطاء المستمر؟ أن تشعر بالرضا لا لأنها أنجزت أعمال البيت كلها، بل لأنها عاشت لحظة تخصّها وحدها؟

ربما علينا نحن الأبناء أن نعيد رسم العلاقة مع أمّهاتنا، لا بأن نكون استمرارية لأحلامهن فقط، بل بأن نمنحهن فرصة لاستعادة ذواتهن. أن نفتح لهن باب السؤال: ماذا تريدين أنتِ؟ ما الذي تركتِه خلفك؟ وكيف يمكن أن نساعدك على استعادته اليوم؟

لعلّ أجمل ما يمكن أن نقدّمه لهن ليس نجاحنا في تحقيق ما حلمْن به، بل نجاحهن في استعادة أحلامهن هنّ، ولو متأخرة.